احلامنا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

احلامنا

فى حيات كل حد فينا احلامه اللى بيتمنى يحققها بينا نحققها سوا
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 عصفور تائه

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سما
Admin
سما


انثى
عدد الرسائل : 1608
العمر : 35
الوظيفه : طالبه
تاريخ التسجيل : 05/10/2007

عصفور تائه Empty
مُساهمةموضوع: عصفور تائه   عصفور تائه Icon_minitimeالإثنين يونيو 09, 2008 1:19 pm


عصفور تائه Shaba_02

انتهيت من صلاة الفجر، وجلست في غرفتي أرشف جرعاتٍ من مشروبي الساخن.. أتأمل أسماكي الأربع التي تسبح في انطلاقة، وتتطلع إليَّ في نهم ممتزج بغلٍّ خفي كي أطعمها.. ما إن أقترب منها حتى يصيبها الجنون، وتتقافز على السطح.. أقذف لها بالقشور ذات الرائحة العضوية، وأتأملها وهي تتصارع عليها.. أقنع نفسي أنهم يتقافزون هكذا حبا لشخصي وعشقاً لذاتي؛ فهم معي منذ ما يقرب العام والنصف، وأنا أدرك بالطبع أن هذا التكالب لقدومي ليس حبّاً -بالطبع- قدر ما هو جوع!

... بدأت أشعة الشمس الوليدة في الظهور في خجل، ففتحت النافذة في هذه الساعة المبكرة لأظفر بأشعتها الخفيفة قبل أن تزدحم النوافذ بالجيران والأعين الفضولية.. أعود لمكاني لأتأملهم من جديد.. تنتابني حالة من الكسل والشرود هذه الأيام.. أحياناً كثيرة يمر اليوم بأكمله ولا أفعل فيه سوى أن أشرد بذهني لأصل بعيداً وأعبُرَ أنهاراً وجبالاً، ثم أعود بعدها إلى واقعي فأدرك أني أضعت وقتاً كبيراً بلا أي إنجاز يذكر.. أحاول التعرف على كل سمكة على حِدَة فأفشل.. تماماً ككل محاولاتي منذ عام ونصف! فالجميع يسخر مِنّي بمجرد رؤيتهم؛ لأني اخترتهم جميعاً بنفس الشكل والحجم واللون!

.. وبينما أنا على شرودي إذ بطلقة سريعة تمرُّ من النافذة لداخل حجرتي.. بعد تغلبي على تأثير المفاجأة والفزع.. إذ به عصفور صغير ضلّ طريقه أثناء الطيران إلى داخل غرفتي.. لعله رأى النافذة مفتوحة فأحب أن يخوض التجربة.. في البدء أصابه هو الآخر الرعب لمرآي!

بدأ يدور في أرجاء الغرفة بطريقة جنونية جعلتني أمسك رأسي خشية أن يصطدم بها في دورانه الأهوج هذا.. ثم عذرته؛ لأنه بالتأكيد ظن أن هذه النافذة المفتوحة ربما تعده بعالم آخر جميل أكثر انفتاحاً، ولكنه فوجئ بغرفة مغلقة الباب تجلس فيها فتاة لا تفعل سوى الشرود! وهو الآن غاضب -طبعاً- ويشعر بالخديعة!

أحبس أنفاسي كي يهدأ قليلاً، ويطيل من فترة بقائه معي.. وانكمشت داخل فراشي وأنا أستند بظهري إلى الحائط؛ كي أقلص من حجم المساحة التي أشغلها بالغرفة؛ لأترك له ملعباً أكثر اتساعاً؛ لينطلق بِحُرّية.. ظل يدور في الغرفة قليلاً يلوم نفسه على هذه المغامرة البائسة التي ألقت به داخل غرفتي!.. أكاد أشعر به يبحث عن النافذة التي خدعته ودخل منها، فأمد يدي بخفة وأغلق أحد الجوانب الزجاجية؛ لتطول فترة بقائه.. بدأ يهدأ قليلاً وكأنما أصابه اليأس، ثم استقر به المقام عالياً فوق النجفة المعلقة فوق رأسي.. وكأنه رضي بالأمر الواقع، وبدأ يحاول تفقد هذه الغرفة التي ساقه القدر إليها؛ لعله يجد فيها شيئا مسلياً، أو يجد فيها فرصة للفرار!

بدأت في تأمُّلِهِ وأنا أكتم أنفاسي؛ كي يبقى في مكانه فأحسن مشاهدته.. أراه هناك كائنًا صغيرًا هشًّا للغاية.. لا يزيد حجمه عن قبضة طفل صغير.. يقف على حافة النجفة ويهزّ ذيله القصير في عصبية جميلة.. يفتح منقاره الدقيق لكنه لا يصدر صوتًا.. لعله يفتحه دهشة من هؤلاء البشر الذين يحيون في هذه الغرف المغلقة دون أن يفقدوا عقولهم!.. يستدير فأرى جانبه.. ليس جميلاً ولعله ليس أجمل الطيور.. فهو رمادي اللون به بعض البقع السوداء على جناحيه ورأسه الصغير.. ليس ملونًا كالببغاء، ولا يصدر صوتًا رائعًا كالكروان.. لكني أراه جميلاً..

يكاد يسقط، فيفرد جناحيه ويستعيد توازنه، ويحكم غلق أصابعه الصغيرة على حافة النجفة أكثر.. لا أستطيع عدّ أصابعه بدقة.. أراه يغلق أصابعه.. أصبعه الخلفي على الأصابع الثلاث أو الأربع الأمامية.. يستدير برأسه، ويتأمل أرجاء غرفتي مرة أخرى.. يتجه ببصره إلى الصور المعلقة على الحوائط، ويطيل النظر إلى إحدى اللوحات التي توجد بها صورة فتاة صغيرة تلعب مع كلبها في حديقة.. يدير رأسه في حركة تضحكني للغاية.. لعل الصورة أعجبته إذن! ثم يستدير إليّ فجأة ليلمحني في جلستي المنكمشة هذه!

.. يحدق فيَّ بعيونه الصغيرة السوداء التي لا ألمح لها بياضاً، ثم يتحسس موضع قدميه الصغيرتين، ويظل ينظر إليَّ وهو يتنفس بعمق.. لا أدري ما الذي يدور بفكره، ويجعله مستغرقا في التفكير هكذا!.. أمد يدي بخفة كيلا أفزعه فلا يأتي بأي حركة.. أشعر باطمئنان أكثر، وأتحرك كي أشجعه على الهبوط من عليائه دون أن يفزع من حركتي، لكنه يظل على حاله.. أنظر حولي لعلي أجد ما يغريه بالنزول فلا أجد سوى طعام الأسماك.. أتراه يناسبه؟!.. أقوم من مكاني بخفة فيطير مبتعداً خوفًا من هذا الكائن الضخم الذي يراه أمامه!.. يستقر به المقام فوق ظهر الفراش فأقترب منه.. ينظر إليَّ في حيرة، ويميل برأسه مرة ثانية في نفس الحركة المذهلة البريئة.. أقترب أكثر، فيبتعد، وأنا ألحظ صدره الضئيل يعلو ويهبط خوفاً، فأشفق عليه، وأبتعد؛ لأتركه على حريته.. يستمر على وضعه دون أن يقترب، وأنا أريد لمس ريشه، وأربّت على رأسه لكنه يخشاني للغاية.. يعود ليتأمل الغرفة مرة أخرى، ولا ينسى أن يلقي عليَّ نظرة بين لحظة وأخرى؛ تحسبا لأي حركة غادرة مني!

يفتح منقاره من جديد ويصدر صوتًا جميلاً عذبًا لكنه حزين رغم ذلك.. يعيد الكرّة من جديد، فأدرك أنه يشكو حاله إليَّ، ويلتمس الإفراج عنه وإرشاده لعالمه الرحب بالخارج.. أشعر بالحزن لألمه، ولكني أريد البقاء معه قليلاً.. ألا تعجبه كل هذه (الدباديب) و(العرائس) بالأرض؟!.. ألا تعجبه لوحات العصافير المرسومة على الزجاج؟!.. عاد يطير بجنون من جديد بحثًا عن مخرج، فأشفقت عليه، وفتحت النافذة على مصراعيها، لكنه لم يهتدِ إليها رغم ذلك، وظل يحوم في الغرفة دون كلل، فيبدو أن الفزع أعماه عن رؤية مهربه إلى العالم الحقيقي بالخارج.. قمت وبدأت في التحرك ناحيته؛ لأجبره على التوجُّه للنافذة، فتكفيه تلك الدقائق من الحبس.. رآه أخيراً فلم يمهل نفسه حتى ثانية واحدة يودعني فيها.. فهرع إلى النافذة بسرعة كالسهم، وسمعته بالخارج يردد زفرته السعيدة فرحًا بنجاته.. ولعله الآن يبحث عن أصدقائه؛ ليروي لهم تفاصيل مغامرته، ويروي لهم دهشته من هؤلاء البشر الذين يحيون داخل غرف مغلقة، ولا يطيرون، ولا يتقافزون على الأشجار!

.. لهذا لم تفلح أي من محاولاتنا في تربية الطيور.. فمكانها الحقيقي بالخارج في الهواء الطلق بين السحب وزرقة السماء، وليس الأقفاص الحديدية..

ألمح من بعيد عصافير أخرى تسبح في الفضاء فاردةً أجنحتها بسعادة.. فأحمد الله على أنه مكّنني من رؤية هذا الجمال حتى وإن لم أصبح مثلهم!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://ahlmna.ahlamontada.com
 
عصفور تائه
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
احلامنا :: الاقسام العامه :: القسم العام-
انتقل الى: